Thursday, July 17, 2008

دعونا نختلف



دارت بخلدي اسئلة كثيرة وأنا أفكر في موقف أحد الأشخاص غضب مني لمجرد كتابة بيت شعر علي ايميلي الخاص وكان هو ضمن قائمة الشات.. بغضب شديد قال لي "اللي عايز يقول حاجة لحد يبقى يقولها له وجها لوجه".. كان بيت الشعر يقول "تبدو كأن لا ترانـي وملء عينك عينـي.. ومثل فعلك فعلـي ويلي من الأحمقين" وهو بيت من قصيدة "يا عاقد الحاجبين" للشاعر اللبناني الأخطل الصغير والتي تغنت بها فيروز


وخوفا من الإنحدار لمهاترات لا جدوي منها وافقته وأنهينا الحديث سريعا.. ولا أعرف هل يري هذا الشخص نفسه أحمقا حتي يظن أنني أقصده تحديدا؟ وحتي لا أتجني عليه فلا أنكر أن هناك توترا مكتوما يحكم العلاقة بيننا منذ فترة


وربما هذا ما جعله يظن أنني أقصده تحديدا ولكنني آخذ عليه عدم القدرة علي التصرف بحكمة لأنه يملك نفس الأدوات التي أملكها ولو ظن أنني أقصده كان يمكنه أن يرد علي بيت الشعر بنفس الطريقة ببيت شعر أخر أو مقولة أخري


ولأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، لم أغضب من رد الشخص فلكل منا ثقافته وأفقه وطريقة ردود أفعاله، وتحضرني هنا مقولة لعالم نفس ألماني كان يقول: أنت تفعل ما يخصك وأنا أفعل ما يخصني، ولست في هذه الدنيا لكي أمشي علي هواك ولا أنت لتمشي علي هوايا.. أنت ما أنت عليه وأنا ما أنا عليه فإذا التقينا أو تلاقينا أو تقابلنا بالصدفة فهذا شىء جميل وإذا لم يحدث فما حيلتي!!ا

يبدو لي أحيانا أن صدورنا ضاقت بنا فكيف تتسع لغيرنا.. تناسينا الهدوء وسعة الصدر وسماع الأخر حتي لو اختلفنا معه.. وأحيانا أخري يبدو لي الأمر ضيق أفق أكثر منه ضيق صدر، فالأفق الرحب يستطيع إحتواء الإختلاف والتعامل معه بحكمة، أما ضيق الأفق فأحيانا يقترب من الحماقة والتي يقول عنها أحد الشعراء "لكل داء دواء يستطب به .. إلا الحماقة أعيت من يداويها"ا


ليس هناك حكما مطلقا ولا رأيا مطلقا ولكن هناك أفقا واسعا وأخر ضيق

Wednesday, July 9, 2008

وداعا




لازال وجهه الباسم يحضرني.. ولازال صوته يرن بأذني.. أنظر إلي الجسد المنهك الذي أبي الاستسلام للمرض.. كانت المرة الأولي والأخيرة التي رأيته فيها وجها لوجه.. كان ذلك قبل ثلاثة أشهر عندما احتفل إتحاد كتاب مصر وكتاب العرب بمقرهما الجديد بالقلعة، وكان هو أحد المحاضرين في الاحتفال

يومها قدم ورقة بعنوان "إشكالية الموت عند الشعراء"، ووقتها نظرت إليه مليا وتساءلت داخل نفسي كيف يفكر ويعيش من شارف علي سن السبعين ويسكنه هذا المرض اللعين.. هل يمضي طوال الوقت عاكفا منتظرا الموت بين كل لحظة وأخري؟ هل يستطيع أن يمارس حياته العادية؟ آلا يخشي الموت الذي أصبح قاب قوسين أو أدني.. تساؤلات كثيرة دارت بخلدي وأنا استمع إليه بحب.. كنت اشفق عليه من المجهود ومن آلام المرض الذي لا يرحم

أخذ المسيري يعرض كيف تناول الشعراء الموت، وكنت اتمني لو أعرف كيف ينظر هو للموت.. ولم يحرمني من الإجابة عن السؤال الذي دار بخلدي فقط .. يومها قال إن اهتمامي بالموت هو اهتمام بالحياة... يااااااااه من رحم الموت تولد الحياة.. هل يفكر في الحياة بينما ينتظر الموت.. حينها تعجبت من نفسي، ومن منا لا ينتظر الموت؟! ومن منا بعيدا عن الموت؟!ا

عجبا وما ظني برجل أمضي ربع قرن من حياته في تأليف موسوعته عن اليهود واليهودية والصهيونية وأنفق عليها كل أمواله حتي لم يجد ثمنا للعلاج

وما ظني برجل كسر عزلة العالم ونزل بين الجماهير يطالب بمكافحة الغلاء حتي أعتقله الأمن مع زوجته وألقوا بهم بعد ساعات علي طريق صحراوي

كيف ينتظر المسيري الموت .. تذكرت أبي رحمه الله ووجهه المطمئن وهو ينتظر الموت.. لم أراه أهنأ بالاً ولا أكثر سكينة من ساعاته الأخيرة وهو يعلن انه ينتظر الفرج.. يومها بكيت وعلمت أن أبي يودعنا، ولم تمر ثلاثة أيام حتي انتقل إلي عالم أكثر سكينة.. ليلتها بشرنا في الهاتف انه غدا سيكون أفضل وسنسعد عند رؤيته.. حينها أيقنت أن الغد موعده ليلقي الله

تذكرت أبي فأدركت كيف يعيش المسيري وكيف ينتظر الموت.. واليوم بعد أن علمت برحيله رأيت ثانية في خيالي تلك النفس المطمئنة التي تعلن لربها أنها أدت الرسالة وتنتظر الجزاء



اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات